فلما تنسّخ العلم عُبدت
بسم الله الرحمن الرحيم*
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى، أما بعد: الأول: قوله تعالى ذكره: { وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا } الثاني:
حديث أبي واقد الليثي قال: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى
حنين، ونحن حُدثاء عهد بكفر، وللمشركين سدرة يعكفون عندها وينوطون بها
أسلحتهم، يُقال لها ذاتُ أنواط، فمررنا بسدرة، فقلنا: يا رسول الله، اجعل
لنا ذات أنواط كما لهم ذاتُ أنواط، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الله أكبر، إنها السنن، قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى: {اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون}، لتركبنّ سنن من كان قبلكم))). رواه الترمذي وصححه. هذه النصوص والآثار تفيد: لذا فمن علامات سعادة المؤمن وطالب العلم: أسأل
الله العلي العظيم بمنه وكرمه أن يبارك لنا في علمنا وعملنا، وأن يرزقنا
جميعا الإخلاص والصدق والقبول، وألا يحرمنا فضله بسوء ما عندنا، إنه ولي
ذلك والقادر عليه. (1) من عقيدة أهل السنة والجماعة محبة الصالحين واحترامهم وإعطاءهم حقوقهم دون غلو فيهم أو إنزالهم فوق منزلتهم التي أنزلهم الله إياها.
هذه بعض النصوص التي
تشحذ الهمم بإذن الله تعالى في طلب العلم الشرعي؛ فهي مما تدعونا إلى مزيد
من بذل الجهد في تحصيله، واغتنام الأوقات والساعات؛ بل ما بقي من العمر في
تعلمه والعمل به وتعليمه والصبر على كل ذلك، وكذا المحافظة عليه ورعايته من
كل شائبة.
قال البخاري: عن ابن عباس –رضي الله عنهما-: "هذه
أسماء رجال صالحين من قوم نوح؛ فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن
انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون إليها أنصابا وسمّوها بأسمائهم،
ففعلوا، فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك ونُسخ العلم عُبدت"
قال الشيخ صالح آل الشيخ: (يعني: لما نسي التوحيد، وتنسّخ العلم، ورثها أناس لم يعرفوا حقيقة الأمر فعبدت).
ومن فوائد هذا الأثر:
1: أن أول شرك وقع في الأرض سببه الغلو في الصالحين (1).
2: الحذر من اتباع خطوات الشيطان –والتمسك بالكتاب والسنة على فهم السلف الصالح والعض عليهما بالنواجذ (2)-، فإنه تسلل مع قوم نوح عليه السلام على مراحل وسنين حتى أوصلهم إلى الشرك بالله تعالى.
3: أعظم ما يحرص عليه الشيطان من الإنسان هو أن يقع في الشرك بالله تعالى.
4: صبر الشيطان على ضلال بني آدم وشدة عداوته وحقده عليهم.
5: كون القرون بين آدم إلى قوم نوح كانوا على التوحيد كما قال تعالى: {كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشّرين ومنذرين}
6: أهمية العلم وكونه من أهم حصون العبد بينه وبين الضلال، والحرص على أعظم العلوم وهو علم التوحيد.
7: في هذا الأثر بيان للقاعدة العظيمة التي قالها ابن مسعود -رضي الله عنه- وهي: "كم من مريد للخير لا يدركه"
ووجه ذلك: أن الآباء لما نصبوا هذه التماثيل كانوا يريدون بذلك الخير فما
أدركوه؛ بل وضعوا لأبنائهم وسيلة الشرك حتى عبد الأبناء الأصنام مع كون
نيّة الآباء حسنة، والله المستعان.
8: خطر البدعة وأنها سبيل إلى الكفر بالله تعالى.
في هذا الحديث فوائد:
1: أن الإنسان وإن كان عالما قد يخفى عليه بعض أنواع الشرك؛ وهذا يوجب على الإنسان أن يتعلّم ويعرف حتى لا يقع في الشرك وهو لا يدري.
فالموحّد الذي دخل في
الإسلام وهو يعلم معنى كلمة التوحيد؛ قد تقع له بعض الأفراد في التوحيد
يجهلها ولا يفهمها، فيقع في قول كفري وهو لا يعلم.
فالصحابة الذين هم أفضل هذه الأمة بالإجماع لما وقعوا في ذلك؛ لا يؤمن أن يقع فيه من هو دونهم في الرتبة والمنزلة.
2: أن المسلم المجتهد
إذا تكلم بكلام كفر وهو لا يدري فنبّه على ذلك فتاب من ساعته؛ أنه لا يكفر
كما فعل بنو إسرائيل، والذين سألوا النبي صلى الله عليه وسلم.
3: وتفيد أنه لو لم يكفر فإنه يغلّظ عليه الكلام تغليظا شديدا كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
4: عدم سكوت النبي صلى
الله عليه وسلم مع كونهم ذاهبين على الجهاد وفي حاجة إلى جهودهم، لكن ما
فائدة الجهاد مع الشرك بالله، وهل شرّع الجهاد إلا للدعوة إلى التوحيد؟
5: فيه أن الدين مبني على التوقيف فلا يصح فيه عمل إلا بدليل.
6: فيه الإخبار بأن هذه الأمة تتبع اليهود والنصارى في دينهم وعاداتهم وتقاليدهم وأعظم شيء في الشرك بالله تعالى.
التعلم؛
لأن أفراد التوحيد كثيرة - وهو حق الله عزوجل الأعظم-، فالداعية عليه أن
يخاف أشد الخوف أن يقع في الشرك وهو لا يعلم؛ فالعلم لابد منه.
قال الله تعالى مخبرًا عن إبراهيم عليه السلام: {وإذ
قال إبراهيم ربّ اجعل هذا البلد آمنا واجنبني وبنيّ أن نعبد الأصنام * ربّ
إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم}،
قال إبراهيم التيمي عند هذه الآية: "ومن يأمن البلاء بعد إبراهيم".
· أن يكون دائم التعلّم للتوحيد والقراءة في مسائله؛ لأنه أعظم حق لله عزوجل.
· أن يكون دائما خائفا من الشرك ووسائله، فيكون متحرّزا خائفا.
وختامًا:
إن العلم بعد وجوده يذهب؛ وإنما يذهب بإهماله، وعدم الرعاية لهذا الأصل العظيم وهو التوحيد، وأنه لا يمكن التحرّز من الشرك بأنواعه إلا بالعلم، وبذل الوقت والجهد فيه.
قال ابن القيم رحمه الله: (شجرة الإيمان لا تقوم إلا على ساق العلم والمعرفة، فالعلم أجل المطالب وأسنى المواهب).
___________________________________
(2) جاء في بعض الآثار: إن استطعت ألا تحك رأسك إلا بأثر فافعل.
التعليقات ()